المجانين فى نعيم !!!!!

ذهبت هناك

رأيتهم

سمعتهم

شعرت بهم

أشباة البشر

وجوة تكسوها الحزن والألم

تنبعث من بين ثنايا جلدها الصرخات

يعيشون الموت الحى فى صمت

يتألمون فى صمت

يصرخون فى صمت

وتجاوبهم جدران الصمت

ويغيب الصوت

لا أحد يسمعهم

لا أحد يشعر بهم

لا أحد يراهم

هم أشباة البشر

بل هم بقايا بشر

.............................

المكان : مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية

الزمن : يوم الثلاثاء 11/3/2008

الوقت : من الساعة 10 ص الى الساعة 3م

......................................

ذهبت مع أختى التى تتلقى التدريب العملى هناك

كنت أريد أن أخوض تلك التجربة الحية عن قرب

كان فضولى يلح على أن أراهم فقط

لم أكن حقيقاَ أتوقع ما سوف أراة

لم أكن أتخيل ما سيصيبنى من خوف وإحباط وألم

..........................

عندما وصلنا المستشفى أنتحلت شخصية إحدى الطلبة

كى أستطيع الدخول مع الطلاب

دخلنا من البوبة الكبيرة

إنها مستشفى كبيرة جدا

عدة مبانى عديدة

مبانى متباعدة جداااااا عن بعض

يحيط كل مبنى سور كالذى يحيط الحيوانات بحديقة الحيوان

وداخل السور حديقة صغير بها اطلال من المزروعات

وبداخل الحديقة المبنى الذى يحتوى على عدة عنابر

دخلنا عبر باب السور الحديدى الى اطلال الحديقة

رأيت وجوة غريبة

وجة قاسية

تكاد ملامحهم ان تكون واحدة

ملامح متقاربة

كأنهم صنعوا من قالب وحد

انهم الأطباء والممرضين

(ملائكة الرحمة)

لم يدعونا أن ندخل العنبر

أخرجوا المرضى فى طابور كالمساجين الخطرين

حينما بدأوا الخروج

رأيتهم

رأيت وجوههم

ألتقت عينى بأعينهم

عيون حزينة

عيون غارقة بالدموع

عيون بيها نظرة غريبة لم أستطيع فهمها إلى الأن

نظرة رعب لكل من يرتدى (بالطو) أبيض

نظرة رعب ممزوجة بتوسل وأستعطاف

نظرة تصرخ وتقول كفىىىىىىى

وحين دققت النظر فيهم لم أستطع منع عينى من دمعة خائنة

نزلت رغما عينى

يرتدون أشباة الأقمشة الممزقة

رغم برودة الجو

تكشف عن جلدهم الهزيل المعذب

تكشف عن عظامهم الناخرة

تكشف عن جسد يرتعش خوفا وبردا

وخانتنى دمعة أخرى حين رأيت حالهم

وكأن كل فرد فيهم لم يرى شكلا من أشكال الماء منذ قرون

وجوة وأيدى وأشباة ملابس متسخة

وأرجل حافية تحاول أن تتحسس أرض تحتها

أعين معذبة تحاول أن تتعود على النور

وحين خرجوا طابور معذب منكسر

أجلسوهم فى الارض ملتصقين بسور المبنى بشكل موازى

كمساجين معتقلين فى أحدى الحروب القذرة

وأختاروا منهم دفعة لكى يجلس الطلاب معهم فى الحديقة

لم يكونوا يرفضون أى شئ

كانت نظراتهم الحزينة للبالطو الأبيض تذبحنى

نظرة رعب وهول وخوف

نظرة لا ولن أنساها أبدا

...............................

كانت فكرتى عن المرضى العقليين

هى الفكرى التى جائتنى من أفلامنا العربية القديمة

ولكن ذابت وتلاشت هذة الفكرة حين رأيتهم

أشخاص عاديين

منكسرين

لكل شخص منهم مرضة الخاص

هناك من لا يعرف المكان والزمان

تائة مسكين فى بحر الدنيا

وهناك من يختلق قصص غير حقيقة لحياتة السابقة

وهناك من لدية جنون العظمة

ولكنهم فى النهاية مساكين

وبغير ما يعانون من مرض فأنهم عاديين

تستطيع أن تتحدث وتتواصل معهم

وسوف يخافونك جدا وأنت ترتدى ذلك الوشاح المرعب

البالطو الأبيض

.........................

جلست أستمع الطلاب وهم يتحدثون إليهم

حدثونا عن ضرب كل من يرتدى بالطو أبيض لهم

ورأينا الأثر فى أجسادهم الهزيلة التى تكسوها طبقات الأوساخ

حدثونا عن قلة طعامهم

عن عدم وجود أدميتهم

.........................

رأيت توسلاتهم لكوب من الشاى الذى يرونة كل قرون

رأيت توسلاتهم لرغيف خبز يمنع تمزقات أمعائهم

رأيت إرتجافات أجساد نحيلة من البرد والجوع

......................

ذهبت اليوم مرة أخرى لأنى كنت أريد التصوير

أكتشفوا هويتى وأخذوا منى الكاميرا

وحرمت الدكتورة أختى من درجات أعمال السنة

لأنها السبب فى مجيئى

.................

قبل أن أغادرهم

نظرت لهم

خانتنى كل دموعى هذة المرة

تمنيت لو أستطيع أن أخد كل واحد فيهم

أربط على كتفة

بل أضمة وأشعرة بالأمان

وأخدة معى ليعيش بأدمية

تمنيت لو أستطيع إطعامهم

تحريرهم

تمنيت وتمنيت وتنميت

وأختنقت أمنياتى بالواقع

ولم يكن بيدى إلا أن أغادر

وفى قلبى حزن وأحباط وألم لم أشعر بة قبل ذلك

لم أشعر بة قط